کد مطلب:90495 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:395
[صفحه 119] لَیْسَ لِأَوَّلِیَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَ لاَ لأَزَلِیَّتِهِ انْقِضَاءٌ. هُوَ الأَوَّلُ لَمْ یَزَلْ، وَ الْبَاقی بِلاَ أَجَلٍ. خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَ وَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ. حَدَّ الأَشْیَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا. لاَ تُقَدِّرُهُ الأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَ الْحَرَكَاتِ، وَ لاَ بِالْجَوَارِحِ وَ الأَدَوَاتِ. لاَ یُقَالُ لَهُ: « مَتی؟ »، وَ لاَ یُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِ « حَتَّی » اَلظَّاهِرُ لاَ یُقَالُ: « مِمَّا؟ »[1]، وَ الْبَاطِنُ لاَ یُقَالُ: « فیمَا؟ »، وَ لاَ یَزَالُ « مَهْمَا »، وَ لاَ مُمَازِجٌ مَعَ « مَا »، وَ لاَ حَالٌّ بِ « مَا »، وَ لاَ خِیَالٌ وَهْماً[2]. لاَ شَبَحٌ فَیَتَقَضَّی[3]، وَ لاَ جِسْمٌ فَیَتَجَزَّی، وَ لاَ بِذی غَایَةٍ فَیُتَنَاهی[4]، وَ لاَ مَحْجُوبٌ فَیُحْوی، وَ لاَ مُحْدَثٌ فَیُتَصَرَّفُ، وَ لاَ مُسْتَتِرٌ فَیُتَكَشَّفُ. كَانَ وَ لاَ أَمَاكِنَ تَحْمِلُهُ أَكْنَافُهَا، وَ لاَ حَمَلَةَ تَرْفَعُهُ بِقُوَّتِهَا، وَ لاَ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ یَكُنْ فَیُقَالُ: حَادثٌ، بَلْ حَارَتِ الأَوْهَامُ أَنْ تُكَیِّفَ الْمُكَیِّفَ لِلأَشْیَاءِ، وَ مَنْ لَمْ یَزَلْ بِلاَ مَكَانٍ، وَ لاَ یَزُولُ بِاخْتِلاَفِ الأَزْمَانِ، وَ لاَ یَغْلِبُهُ شَأْنٌ بَعْدَ شَأْنٍ. اَلْبَعیدُ مِنْ حَدْسِ الْقُلُوبِ، الْمُتَعَالی عَنِ الأَشْیَاءِ وَ الضُّرُوبِ، الْوِتْرُ، عَلاَّمُ الْغُیُوبِ. الْمَعْرُوفُ بِغَیْرِ كَیْفِیَّةٍ، فَمَعَانِی الْخَلْقِ عَنْهُ مَنْفِیَّةٌ، وَ سَرَائِرُهُمْ عَلَیْهِ غَیْرُ خَفِیَّةٍ. وَ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، وَ لاَ تُحیطُ بِهِ الأَفْكَارُ، وَ لاَ تُقَدِّرُهُ الْعُقُولُ، وَ لاَ تَقَعُ عَلَیْهِ الأَوْهَامُ. فَكُلُّ مَا قَدَّرَهُ عَقْلٌ أَوْ عُرِفَ لَهُ مِثْلٌ فَهُوَ مَحْدُودٌ. وَ كَیْفَ یُوصَفُ بِالأَشْبَاحِ، وَ یُنْعَتُ بِالأَلْسُنِ الْفِصَاحِ، مَنْ لَمْ یَحْلُلْ فِی الأَشْیَاءِ فَیُقَالُ: هُوَ فیهَا كَائِنٌ، وَ لَمْ یَنْأَ عَنْهَا فَیُقَالُ: هُوَ عَنْهَا بَائِنٌ؟[5]. لَمْ یَقْرُبْ مِنَ الأَشْیَاءِ بِالْتِصَاقٍ، وَ لَمْ یَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ، بَلْ هُوَ فِی الأَشْیَاءِ بِلاَ كَیْفِیَّةٍ، [صفحه 120] وَ هُوَ أَقْرَبُ إِلَیْنَا مِنْ حَبْلِ الْوَریدِ، وَ أَبْعَدُ مِنَ الشَّبَهِ مِنْ كُلِّ بَعیدٍ[6]. وَ لاَ یَخْفی عَلَیْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ، وَ لاَ كُرُورُ[7] لَفْظَةٍ، وَ لاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَةٍ[8]، وَ لاَ انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ، فی لَیْلٍ دَاجٍ، وَ لاَ غَسَقٍ سَاجٍ، یَتَفَیَّأُ عَلَیْهِ الْقَمَرُ الْمُنیرُ، وَ تَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ، فِی الأُفُولِ وَ الْكُرُورِ، وَ تَقَلُّبِ[9] الأَزْمِنَةِ وَ الدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَیْلٍ مُقْبِلٍ، وَ إِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ. قَبْلَ كُلِّ غَایَةٍ وَ مُدَّةٍ، وَ كُلِّ إِحْصَاءٍ وَ عِدَّةٍ. تَعَالی عَمَّا یَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ[10] مِنْ صِفَاتِ الأَقْدَارِ، وَ نِهَایَاتِ الأَقْطَارِ، وَ تَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ، وَ تَمَكُّنِ الأَمَاكِنِ. وَ الْحَمْدُ للَّهِ الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ یَكُونَ كُرْسِیٌّ أَوْ عَرْشٌ، أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ، أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ. لاَ یُدْرَكُ بِوَهْمٍ، وَ لاَ یُقَدَّرُ بِفَهْمٍ، فَهُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَ [ فی ] كُلِّ حینٍ وَ أَوَانٍ، وَ كُلِّ نِهَایَةٍ وَ مُدَّةٍ[11]، فَالأَمَدُ[12] لِخَلْقِهِ مَضْروُبٌ، وَ الْحَدُّ إِلی غَیْرِهِ مَنْسُوبٌ. لَمْ یَخْلُقِ الأَشْیَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِیَّةٍ، وَ لاَ مِنْ أَوَائِلَ كَانَتْ مَعَهُ[13] بَدِیَّةٍ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَتْقَنَ خَلْقَهُ وَ[14] أَقَامَ حَدَّهُ، وَ صَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ. فَسُبْحَانَ مَنْ تَوَحَّدَ فی عُلُوِّهِ، فَ[15] لَیْسَ لِشَیْ ءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ، وَ لاَ لَهُ بِطَاعَةِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ[16] [صفحه 121] انْتِفَاعٌ. عِلْمُهُ بِالأَمْوَاتِ الْمَاضینَ كَعِلْمِهِ بِالأَحْیَاءِ الْبَاقینَ، وَ عِلْمُهُ بِمَا فِی السَّمَواتِ الْعُلی كَعِلْمِهِ بِمَا فِی الأَرَضَینَ السُّفْلی. إِجَابَتُهُ لِلدَّاعینَ سَریعَةٌ، وَ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ فِی السَّموَاتِ وَ الأَرْضینَ مُطیعَةٌ[17]. وَ لاَ یَشْغَلُهُ سَائِلٌ، وَ لاَ یَنْقُصُهُ نَائِلٌ. وَ لاَ یُنْظَرُ[18] بِعَیْنٍ، وَ لاَ یُحَدُّ بِ « أَیْنٍ »، وَ لاَ یُوصَفُ بِالأَزْوَاجِ، وَ لاَ یُخْلَقُ بِعِلاَجٍ، وَ لاَ یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ، وَ لاَ یُقَاسُ بِالنَّاسِ. اَلَّذی كَلَّمَ مُوسی تَكْلیماً، وَ أَرَاهُ مِنْ آیَاتِهِ عَظیماً، بِلاَ جَوَارِحَ وَ لاَ أَدَوَاتٍ، وَ لاَ نُطْقٍ[19] وَ لاَ لَهَوَاتٍ. سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی عَنِ الصِّفَاتِ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ إِلهَ الْخَلْقِ مَحْدُودٌ، فَقَدْ جَهِلَ الْخَالِقَ الْمَعْبُودَ، وَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الأَمَاكِنَ بِهِ تُحیطُ لَزِمَتْهُ الْحَیْرَةُ وَ التَّخْلیطُ[20]. أَیُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِیُّ، وَ الْمُنْشَأُ الْمَرْعِیُّ، فی ظُلُمَاتِ الأَرْحَامِ، وَ مُضَاعَفَاتِ الأَسْتَارِ، بُدِئْتَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طینٍ[21]، وَ وُضِعْتَ فی قَرَارٍ مَكینٍ إِلی قَدَرٍ مَعْلُومٍ[22]، وَ أَجَلٍ مَقْسُومٍ. تَمُورُ فی بَطْنِ أُمِّكَ جَنیناً، لاَ تُحیرُ دُعَاءً، وَ لاَ تَسْمَعُ نِدَاءً. ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلی دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا، وَ لَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا. فَمَنْ هَدَاكَ لاجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْیِ أُمِّكَ، وَ عَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلِبَتِكَ[23] وَ إِرَادَتِكَ؟. [صفحه 122] هَیْهَاتَ، إِنَّ مَنْ یَعْجَزُ عَنْ صِفَاتِ ذِی الْهَیْئَةِ وَ الأَدَوَاتِ، فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ، وَ مِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقینَ أَبْعَدُ. وَ كَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ، وَ بَدیعِ لَطَائِفِ[24] صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ[25] الزَّاخِرِ، الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ، یَبَساً جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَموَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ، وَ قَامَتْ عَلی حَدِّهِ. وَ أَرْسی أَرْضاً یَحْمِلُهَا الأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ، وَ الْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ، قَدْ ذَلَّ لأَمْرِهِ، وَ أَذْعَنَ لِهَیْبَتِهِ، وَ وَقَفَ الْجَاری مِنْهُ لِخَشْیَتِهِ. وَ جَبَلَ[26] جَلاَمیدَهَا وَ نُشُوزَ مُتُونِهَا، وَ أَطْوَادَهَا، فَأَرْسَاهَا فی مَرَاسیهَا، وَ أَلْزَمَهَا قَرَارَاتِهَا، فَمَضَتْ رُؤُوسُهَا فِی الْهَوَاءِ، وَ رَسَتْ[27] أُصُولُهَا فِی الْمَاءِ، فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِهَا، وَ أَسَاخَ قَوَاعِدَهَا فی مُتُونِ أَقْطَارِهَا، وَ مَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا، فَأَشْهَقَ قِلاَلَهَا، وَ أَطَالَ أَنْشَازَهَا، وَ جَعَلَهَا لِلأَرْضِ عِمَاداً، وَ أَرَّزَهَا فیهَا أَوْتَاداً، فَسَكَنَتْ عَلی حَرَكَتِهَا[28]، مِنْ أَنْ تَمیدَ بِأَهْلِهَا، أَوْ تَسیخَ بِحِمْلِهَا[29]، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَوَاضِعِهَا[30]. فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِیَاهِهَا، وَ أَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً، وَ بَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً، فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّیٍّ، رَاكِدٍ لاَ یَجْری، وَ قَائِمٍ لاَ یَسْری، تُكَرْكِرُهُ الرِّیَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَ تَمْخَضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ. إِنَّ فی ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ یَخْشی[31]. [ ثُمَّ ] ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجیباً مِنْ حَیَوَانٍ وَ مَوَاتٍ، وَ سَاكِنٍ وَ ذی حَرَكَاتٍ، وَ أَقَامَ مِنَ شَوَاهِدِ الْبَیِّنَاتِ، عَلی لَطیفِ صَنْعَتِهِ، وَ عَظیمِ قُدْرَتِهِ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ، وَ مُسَلِّمَةً لَهُ، وَ نَعَقَتْ فی أَسْمَاعِنَا دَلاَئِلُهُ عَلی وَحْدَانِیَّتِهِ، وَ مَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلَفِ صُوَرِ الأَطْیَارِ الَّتی أَسْكَنَهَا أَخَادیدَ الأَرْضِ، وَ خُرُوقَ فِجَاجِهَا، وَ رَوَاسِیَ أَعْلاَمِهَا، مِنْ ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ هَیْئَاتٍ مُتَبَایِنَةٍ، مُصَرَّفَةٍ [صفحه 123] فی زِمَامِ التَّسْخیرِ، وَ مُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فی مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ، وَ الْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ. كَوَّنَهَا، بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ، فی عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ، وَ رَكَّبَهَا فی حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ، وَ مَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ یَسْمُوَ فِی الْهَوَاءِ[32] خُفُوفاً، وَ جَعَلَهُ یَدِفُّ دَفیفاً، وَ نَسَقَهَا عَلَی اخْتِلاَفِهَا فِی الأَصَابِیغِ بِلَطیفِ قُدْرَتِهِ، وَ دَقیقِ صَنْعَتِهِ. فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فی قَالَبِ لَوْنٍ لاَ یَشُوبُهُ غَیْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فیهِ. وَ مِنْهَا مَغْمُوسٌ فی لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ[33] بِخِلاَفِ مَا صُبِغَ بِهِ. وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ، الَّذی أَقَامَهُ فی أَحْكَمِ تَعْدیدٍ[34]، وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ فی أحْسَنِ تَنْضیدٍ، بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ، وَ ذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ. إِذَا دَرَجَ إِلَی الأُنْثی نَشَرَهُ مِنْ طَیِّهِ، وَ سَمَا بِهِ مُطِلاً[35] عَلی رَأْسِهِ، كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِیٍّ عَنَجَهُ نُوتِیُّهُ، یَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ، وَ یَمیسُ[36] بِزَیَفَانِهِ، یُُفْضِی كَإِفْضَاءِ الدّیكَةِ، وَ یَؤُرُّ بِمَلاَقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ. أُحیلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلی مُعَایَنَةٍ، لاَ كَمَنْ یُحیلُ عَلی ضَعیفِ إِسْنَادِهِ[37]. وَ لَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ یُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا[38] مَدَامِعُهُ، فَتَقِفُ فی ضَفَّتَی[39] جُفُونِهِ، وَ أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَبیضُ لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَی الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ[40]، لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ، تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِیَ مِنْ فِضَّةٍ، وَ مَا أُنْبِتَ عَلَیْهَا مِنْ عَجیبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ، [صفحه 124] خَالِصَ الْعِقْیَانِ، وَ فِلَذَ الزِّبَرْجَدِ. فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الأَرْضُ قُلْتَ: جَنِیٌّ جُنِیَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبیعٍ، وَ إِنْ ضَاهَیْتَهُ بِالْمَلاَبِسِ فَهُوَ كَمَوْشِیِّ الْحُلَلِ، أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الْیَمَنِ، وَ إِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِیِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَیْنِ[41] الْمُكَلَّلِ. یَمْشی مَشْیَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ، وَ یَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ جَنَاحَیْهِ، فَیُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ، وَ أَصَابیغِ وِشَاحِهِ. فَإِذَا رَمی بِبَصَرِهِ إِلی قَوَائِمِهَ زَقَا مُعْوِلاً بِصَوْتٍ یَكَادُ یُبینُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ، وَ یَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ، لأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّیَكَةِ الْخِلاَسِیَّةِ، وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صیصِیَةٌ[42] خَفِیَّةٌ. وَ لَهُ فی مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ، وَ مَخْرَجُ عُنُقِهِ كَالإِبْریقِ، وَ مَغْرِزُهَا إِلی حَیْثُ بَطْنُهُ[43] كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ[44] الْیَمَانِیَّةِ، أَوْ كَحَریرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ، وَ كَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ[45] بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ. إِلاَّ أَنَّهُ یُخَیَّلُ، لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَ شِدَّةِ بَریقِهِ، أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ. وَ مَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فی لَوْنِ الأُقْحُوانِ، أَبْیَضٌ یَقَقٌ، فَهُوَ بِبَیَاضِهِ فی سَوَادِ مَا هُنَالِكَ یَأْتَلِقُ. وَ قَلَّ صِبْغٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ، وَ عَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَ بَریقِهِ، وَ بَصیصِ دیبَاجِهِ وَ رَوْنَقِهِ، فَهُوَ كَالأَزَاهیرِ الْمَبْثُوثَةِ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبیعٍ، وَ لاَ شُمُوسُ قَیْظٍ. وَ قَدْ یَنْحَسِرُ مِنْ ریشِهِ، وَ یَعْری مِنْ لِبَاسِهِ، فَیَسْقُطُ تَتْری، وَ یَنْبُتُ تِبَاعاً، فَیَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الأَغْصَانِ، ثُمَّ یَتَلاَحَقُ نَامِیاً حَتَّی یَعُودَ كَهَیْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، لاَ یُخَالِفُ سَالِفَ[46] [صفحه 125] أَلْوَانِهِ، وَ لاَ یَقَعُ لَوْنٌ فی غَیْرِ مَكَانِهِ. وَ إِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ تَارَةً حُمْرَةً وَرْدِیَّةً، وَ تَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِیَّةً، وَ أَحْیَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِیَّةً. فَكَیْفَ تَصِلُ إِلی صِفَةِ هذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ، أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفینَ، وَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ، وَ الأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ. فَسُبْحَانَ الَّذی بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلاَّهُ لِلْعُیُونِ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً، وَ مُؤَلَّفاً مُلَوَّناً، وَ أَعْجَزَ الأَلْسُنَ عَنْ تَلْخیصِ صِفَتِهِ، وَ قَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِیَةِ نَعْتِهِ. وَ سُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ، وَ الْهَمَجَةِ إِلی مَا فَوْقِهِمَا مِنْ خَلْقِ الْحیتَانِ وَ الْفِیَلَةِ، وَ وَأی عَلی نَفْسِهِ أَنْ لاَ یَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فیهِ الرُّوحَ، إِلاَّ وَ جَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ، وَ الْفَنَاءَ غَایَتَهُ. فَلَوْ رَمَیْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا یُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَی الدُّنْیَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا، وَ زَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا، وَ لَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِی اصْطِفَاقِ[47] أَشْجَارٍ غُیِّبَتْ عُرُوقُهَا فی كُتْبَانِ الْمِسْكِ عَلی سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا، وَ فی تَعْلیقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فی عَسَالیجِهَا وَ أَفْنَانِهَا، وَ طُلُوعِ تِلْكَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فی غُلَفِ أَكْمَامِهَا، تُجْنی مِنْ غَیْرِ تَكَلُّفٍ فَتَأْتی عَلی مُنْیَةِ مُجْتَنیهَا، وَ یُطَافُ عَلی نُزَّالِهَا فی أَفْنِیَةِ قُصُورِهَا بِالأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ، وَ الْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ. قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمَادی بِهِمْ، حَتَّی حَلُّوَا دَارَ الْقَرَارِ، وَ أَمِنُوا نُقْلَةَ الأَسْفَارِ. فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ، أَیُّهَا الْمُسْتَمِعُ، بِالْوُصُولِ إِلی مَا یَهْجُمُ عَلَیْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ، لَزَهَقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَیْهَا، وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسی هذَا إِلی مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالاً بِهَا. جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاكُمْ مِمَّنْ یَسْعی[48] بِقَلْبِهِ إِلی مَنَازِلِ الأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ. [صفحه 126]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ اَلْحَمْدُ للَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ، وَ سَاطِحِ الْمِهَادِ، وَ مُسیلِ الْوِهَادِ، وَ مُخْصِبِ النِّجَادِ.
صفحه 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126.
و مصباح البلاغة ج 1 ص 68 عن حلیة الأولیاء. باختلاف یسیر. و نسخة العطاردی ص 194.